في الوقت الراهن، هناك قرابة 16 مليون مسلم يعيشون وسط 495 مليون نسمة، هم إجمالي مجموع سكان 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن المسلمين يشكلون 3 في المئة من سكان أوروبا الموحدة. ومحاولات إدماج هؤلاء المسلمين في المجتمع الأوروبي العلماني، والذي يزداد لا دينية على الدوام، ما زالت تؤدي إلى إثارة موجات من عدم التسامح، بل والعنف من قبل الجانبين. والمشكلة الجوهرية في هذا السياق، هي كيفية التوصل إلى التوازن الدقيق بين حرية التعبير والمعتقدات الدينية الراسخة الجذور، والعادات والتقاليد الخاصة بالمسلمين، الذين تنتمي غالبيتهم إلى فئة المهاجرين أو أبناء المهاجرين من شمال أفريقيا وباكستان وتركيا بشكل خاص. ومن المعروف أن العلمانية، وحرية التعبير، والفصل بين الدين والدولة، تمثل المفاتيح الرئيسية للهوية الثقافية للقارة الأوروبية النابعة من التراث العظيم للفيلسوف الفرنسي "فولتير"، وغيره من فلاسفة عصر النهضة في أوروبا إبان القرن الثامن عشر. ولكن هذه القيم التي تعد تراثاً عظيماً لدى الأوروبيين تبدو شيئاً غريباً، أو غير مألوف، بالنسبة لمعظم المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، لدرجة أنها مثلت عقبات أمام اندماجهم بشكل ناجح في الحياة الأوروبية. يتعين علينا هنا أيضاً القول إن بعض المهاجرين المسلمين ينفرون من بعض جوانب السياسات الأوروبية، ومنها على سبيل المثال، مشاركة بريطانيا للولايات المتحدة في غزوها للعراق وتدميره، وتساهل أوروبا مع السياسات الإسرائيلية القائمة على قمع الفلسطينيين وإذلالهم. على الرغم من ذلك، فإن المجتمع البريطاني أصيب بالصدمة عندما أقدم أبناء مهاجرين باكستانيين من مواليد بريطانيا على تفجير القنابل في مترو الأنفاق في لندن، ما أدى إلى مصرع ما يزيد عن 50 شخصاً، في حادث يعتبر من أخطر الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها بريطانيا في تاريخها المعاصر بأسره. وفي فرنسا، حيث يصل تعداد المسلمين إلى 10 في المئة من إجمالي السكان- 6 ملايين تقريباً من إجمالي عدد سكان فرنسا البالغ 60 مليونا- أدت التظاهرات التي قام بها المسلمون في شوارع الضواحي الفقيرة في باريس، وغيرها من شوارع المدن الفرنسية الكبرى، إلى تذكير الرأي العام الفرنسي بالاضطرابات التي يقوم بها الشباب الفرنسي الذي يكون في الغالبية العظمى من الحالات من خلفيات مهاجرة تنفيثاً عن غضبه بسبب إحساسه بالإقصاء والتهميش. وفي هولندا حيث يعيش 850 ألف مسلم- أو 6 في المئة من تعداد السكان- يتمتعون بنفس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يتمتع بها السكان غير المسلمين، ووفرت لهم السلطات إلى جانب ذلك فرصة "ممارسة حياتهم بشكل مستقل"، إذا ما أرادوا ذلك في مساجدهم ومع أئمتهم (وعددهم 500 إمام) ومدارسهم الخاصة بتعليم القرآن الممولة من قبل الدولة (وعددها 42 مدرسة). والواقع أن مشكلة اندماج المسلمين في المجتمع لم تصل في أي دولة أوروبية إلى درجة التأزم التي وصلت إليها في هولندا، لدرجة يسوغ معها القول إن هذه الدولة قد غدت أكثر الدول التي تتجسد فيها ظاهرة الإسلاموفوبيا أو الخوف المرضي من الإسلام داخل أوروبا، وهو ما يتبدى بوضوح من كونها الدولة التي شهدت ارتكاب أسوأ حوادث العنف، سواء على أيدي المسلمين أو منتقديهم، على الرغم من أنها كانت حتى فترة قريبة تمثل نموذجاً للسلام والتناغم الاجتماعي. ولعلنا جميعاً لا زلنا نذكر حالة المخرج الهولندي "ثيو فان جوخ"، والذي أدى الفيلم الذي أخرجه، وتعرض فيه للإسلام بالنقد الشديد، إلى اغتياله على يدي شاب(26 عاما) يدعي "محمد بويري" من أصول مغربية. وهناك أيضاً حالة "إيان هيرسي علي" المرأة الصومالية، التي كتبت سيناريو لفيلم "فان جوخ"، والتي أجبرت على مغادرة هولندا، بعد أن تلقت تهديدات بالقتل والاستقرار في واشنطن حيث تواصل حملتها المضادة للإسلام. وآخر كارهي الإسلام في هولندا هو "جريت وايلدرز"، وهو عضو يميني في البرلمان الهولندي، أدى فيلمه المستفز "فتنة" الذي عُرض في السابع والعشرين من مارس الماضي على أحد المواقع بشبكة الإنترنت، إلى إثارة ردود أفعال إسلامية غاضبة. و"وايلدرز" يصف المسلمين بأنهم يمثلون" الشر في أقصى صوره"، وهو يريد حظر الهجرة من البلدان الإسلامية، ويطالب بوقف بناء المساجد، وبوضع حد للإعانات التي تقدمها الدولة للمدارس الإسلامية، كما يدعو إلى حرمان الجانحين المسلمين من الجنسية الهولندية، بل ووصل به الأمر إلى حد أنه يريد تحريم تداول القرآن ذاته. وقد أدى عرض الفيلم إلى خروج المظاهرات في إندونيسيا وماليزيا والأردن، احتجاجاً على ما تضمنه من إساءة للإسلام والمسلمين، ولإظهار الغضب ضد المخرج وبلده، مما دعا وزير الخارجية الهولندي إلى دعوة 27 سفيراً من سفراء الدول الإٍسلامية في هولندا، راجياً منهم دعوة شعوبهم للتحلي بالهدوء. هذه الخلفية تكمن وراء الدعوة المُرحّبْ بها إلى أقصى درجة والتي جاءت على لسان العاهل السعودي الملك عبدالله بن العزيز آل سعود، والتي دعا فيها إلى حوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وينوي الملك عبدالله عقد اجتماع في نهاية هذا العام يحضره كبار علماء المسلمين، من مختلف أنحاء العالم لتعزيز الاعتدال ومحاربة التطرف. كذلك دعا عبدالعزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء إلى الحاجة إلى التوصل لـ"طريق وسط" في الإسلام، بعيداً عن التعصب. إن التسامح هو الدرس الذي يحتاج الغرب إلى تعلمه بنفس الدرجة التي يحتاج بها العالم الإسلامي إلى ذلك.